أثارت قضية
تسميم الجاسوس الروسي " سيرغي سكريبال" وإبنته المزيد من التوترات في
العلاقات السياسية بين الدولتين العظمتين بريطانيا وروسيا، فضلاً عن الصراع القائم
بالفعل من خلال الرغبة في الهيمنة على أسواق الغاز الأوروبية ومشروعاتها
الإستراتيجية في القارة الأوروبية.
هذا وقد صرحت
"هيذر نورت" المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الامريكية، يوم الثلاثاء
الماضي، أن الولايات المتحدة الامريكية قد وجهت تحذير شديد اللهجة للشركات
الأوروبية بفرض عقوبات ضخمة إذا إستمرت في المشاركة في إقامة مشروع ( نوردوم ستريم
2) للغاز الروسي المزمع إقامته ومروره أسفل بحر البلطيق ليصل إلى ألمانيا.
كما أضافت المتحدثة
بإسم وزارة الخارجية الأمريكية قائلة: " نظن أن مشروع الغاز الروسي
"نوردوم 2" يُعيق الإستقرار ويؤثر على أمن الطاقة في القارة الأوروبية،
حيث أن المشروع يعطي الفرصة لروسيا أن تمتلك أداة قوية للضغط والتأثير على قرار
البلدان الأوروبية التي تحتاج للغاز الروسي، وبالخصوص بلدان مثل أوكرانيا".
علماً بأن
صفقة "نوردوم ستريم 2" عبارة عن مشروع مشترك بين شركة "بروم"
للغاز الروسية، وبين عدة مؤسسات أوروبية تشارك أيضاً في إقامة هذه الصفقة، ولكن في
الحقيقة أن هذه الصفقة يقابلها العديد من العراقيل السياسية.
جديراً بالذكر
أن حجم الغاز الطبيعي الذي تقوم روسيا بتصديره لألمانيا في الوقت الحالي يصل إلى
55 مليار م3، ومن المقرر أن يقوم مشروع " نوردوم 2" الذي سيمر من روسيا
أسفل بحر البلطيق عبر مجموعة أنابيب ليصل إلى ألمانيا بتزويد حجم الغاز الروسي
لألمانيا لضعف الكمية الحالية.
هذا وتحرص
المؤسسات الألمانية بشدة على إتمام تنفيذ صفقة "نوردوم 2"، والذي سيصل
حجم إمداده بالغاز الروسي لألمانيا إلى 110 مليار م3، وذلك بسبب الثورة الصناعية
الهائلة التي تشهدها البلاد والتوسع في شتى مجالات الإقتصاد الألماني الذي بدأت
بوادرها منذ مطلع عام 2017، بعد أن خرجت دول منطقة اليورو ومن ضمنها دولة ألمانيا
من عنق الزجاجة ومن أسوأ فترة ركود إقتصادي مرت بها منذ عام 2011.
وقد أشارت
المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الأمريكية أن بلادها تستطيع فرض بعض العقوبات
الرادعة والتي تتمثل في منع وحظر المؤسسات الألمانية والأوروبية المشاركة في مشروع
"نوردوم 2" للغاز الروسي من المشاركة والإستثمار في أياً من المشروعات
التي تكون أمريكا مشاركة فيها.
في الوقت الذي
تشهد فيه دول منطقة اليورو والتي من ضمنها دولة ألمانيا ثورة تكنولوجية وصناعية في
شتى المجالات، وتحتاج فيها المزيد من الإمدادات من الغاز الطبيعي بإعتباره مصدر
للتدفئة وتوليد الطاقة النظيفة، تنجح الضغوط والتهديدات الأمريكية التي تمارسها
واشنطن على أصدقائها في الإتحاد الأوروبي في وأد العديد من مشروعات الغاز الحيوية
الناجحة والقادرة على الوفاء بمتطلبات بلدان قارة أوروبا.
من ناحية أخرى، يرى المتخصصين في نشرة (أويل
برايس) أن الغرض الحقيقي من تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية للدول الأوروبية
ومؤسساتها بسبب المشاركة في مشروعات الغاز الروسي، والضغط عليهم للتوقف وعدم
المشاركة في تنفيذ مشروعات جديدة لتوصيل الغاز الروسي إلى دول منطقة اليورو، ليس
فقط حرصاً من واشنطن على أمن الغاز الأوروبي، بل وحرصاً على مصالح المؤسسات
الأمريكية التي تصدر الغاز الطبيعي لدول العالم، وخاصة بعد إكتشاف حقول الغاز
الصخري الأمريكي.
يُذكر
أن السوق الأوروبي يعتبر من أكبر أسواق الغاز الطبيعي على مستوى العالم، وتسعى
المؤسسات الأمريكية بكل طاقتها للسيطرة على هذا السوق، ولكن هذا الأمر ليس سهلاً، وخاصة مع منافسة الغاز الروسي
من حيث رخص تكلفته، وذلك بخلاف العديد من الخلافات التي تثيرها مشروعات الغاز
الطبيعي الروسي داخل الدول التي تشارك في هذه المشروعات، حيث ترى عدة دول أوروبية
وبعض المؤسسات ضرورة الإستمرار في التوسع والإعتماد على الغاز الطبيعي الروسي،
وذلك لعدة عوامل إقتصادية خالصة لعل من اهمها، أن إمداد الغاز الروسي مستمر بلا
إنقطاع، وذلك لأن روسيا تعتبر أكبر مخزن لإحتياطي عالمي من الغاز الطبيعي، مع رخص أسعاره، مقابل الإحتياطي لحقول الغاز
الأمريكية الصخرية التي ليس بمقدورها أن تستمر لأكثر من 10 سنوات.
أما بشأن بعض البلدان الصديقة للولايات
المتحدة الأمريكية فأنها تفضل حتمية تخفيض الإعتماد على إمدادات الغاز الطبيعي
الروسي، في حين تقف دولة فرنسا وعدة دول أخرى في المنتصف ولم تحدد موقفها، بل ترى
أن المحافظة على أمن الطاقة في منطقة اليورو ومواصلة إستكمال مشروعاتها الإقتصادية
والتنموية هى الفيصل والأهم دون النظر لأي أسباب سياسية أخرى.
ومن الواضح أن تحديد مصدر إستيراد الغاز يخضع
للعديد من الإعتبارات السياسية، نظراً للتوترات في العلاقات السياسية بين روسيا
وأمريكا، وأيضاً نتيجة الخلافات الداخلية بين دول منطقة اليورو، وذلك وفق ما جاء
في بعض التقارير الامريكية.
ومن ناحية أخرى، يرى بعض الخبراء السياسيين
أن الحكومة الأمريكية تضخم كثيراً من قدرة روسيا على التأثير على قرار الدول
الأوروبية. وقد كشف "ريكس تيلرسون" وزير خارجية أمريكا السابق في
تصريحات صحافيه له خلال شهر يناير الماضي عقب لقائه مع وزير خارجية بولندا، عن
تأييد أمريكا لقرار دولة بولندا الرافض لمشروع "نوردوم 2" للغاز الروسي،
وأشار "تيلرسون" أن المشروع يمنح روسيا أداة للضغط السياسي من خلال
سيطرتها على الغاز الطبيعي الذي يعتمد عليه الكثير من الدول الأوروبية، مؤكداً أن
المشروع يعتبر تهديد لأستقرار وأمن إمداد الطاقة في القارة الأوروبية.
جديراً بالذكر أن الغاز الروسي ظل هو المصدر
الأساسي للدول الأوروبية لأعوام طويلة، حيث وصلت كمية الغاز الروسي للقارة
الأوروبية إلى 40%، ولكنها إنخفضت بعد أزمة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم لتتراوح ما
بين 30 إلى 35% في الوقت الحالي.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق